قصة سيارة......... أسمها شمس 1

A Story of a Car……its Name is Shams 1

 

 

 

هي قصة الشمس التي أشرقت مرة واحدة ثم غربت للأبد.

 

التاريخ: بداية العام الدراسي لسنة 1993-1994

 

المكان: كلية الهندسة جامعة عين شمس – قسم هندسة السيارات

 

القصة:

 

هذه القصة تمت منذ زمن بعيد, أحاول كتابتها الأن من الذاكرة, قد تختلف الاحداث قليلا عما ما هو مكتوب هنا, الكثير ممن عاصروا القصة اصبحوا في رحاب الرحمن. قد أنسى فضل بعض من شارك بها أو أقلل من دوره بها من غير عمد, وقد أكون متحامل من الناحية الشخصية على أفراد, الذين لم أذكر اسمائهم عن عمد, لأسباب أخرى. ولكنها قصة أردت مشاركة القراء بها, فقد تتشابه مع قصص أخرى, في مواقع أخرى, قد يستفاد منها أحد مستقبلا, ولكن ليس الغرض منها التشهير والبكاء على الأطلال, أنها قصة سيارة, وقصة حلم, ومحاولة لتحويل الحلم إلى واقع......), القصة مكتوبة منذ فترة طويلة ومنعني من نشرها التردد والاحجام.

 

ولنبدأ القصة:

 

مع بداية كل فصل جامعي يكون هناك تخطيط لمادة مشروع التخرج وما سوف يغطيه المشروع ومن سيقوم بتدريسه. وكانت فكرة المشروع لدي هي تصميم وإنشاء سيارة تجريبية, وكانت هذه الفكرة هي البداية.

 

 

خطوات عمل المشروع:

 

مرحلة الفكرة:

الفكرة كما تخليتها هي ببساطة كما شهدتها في الجامعات بالخارج هي أن يقوم المشروع بتغطية جميع المواد الدراسية التي قام الطالب بدراستها في القسم. من هندسة السيارات إلى تصميم السيارات إلى المحركات وجميع انظمة السيارة, وعلاقة تلك الأجزاء والأنظمة ببعضها البعض وكيفية توصيل الأجزاء وتجميعها معا. كيفية اختيار الأجزاء ووضع مواصفات للسيارة والعمل على تحقيقها. وكيف تؤثر خواص الجزء في أداء الكل. اختبار الأداء للسيارة بعد إنشائها. والعمل داخل مجموعة من المتخصصين في الوصول إلى هدف معين وتحقيقه. الاستفادة من التجربة ومعرفة السلبيات والإيجابيات وتدوينها, دراسة الحالة (الإيجابيات والسلبيات), التغلب على السلبيات, والعمل على تطوير السيارة بالأعوام القادمة. 

 

"كل المواد الدراسية تهتم بتدريس المادة بشكل منفصل ولنقول في اتجاه واحد (الاتجاه الرأسي), ولكن في الحياة العامة لحل مشكلة ما نحتاج إلى إدخال تلك المواد مع بعضها البعض ويتم حل المشكلة باستخدام مقتطفات من كل مادة ولنقول في اتجاه واحد عبر المواد (الاتجاه الافقي). ولذا كان الغرض من فكرة هذا المشروع هو الانتقال بالطالب إلى تدريب للحياة العامة لما بعد التخرج (الاتجاه الأفقي). الرسم التالي يبين الفكرة.

 

ما بعد الفكرة:

عندما تأتي الفكرة من أشخاص من القاعدة وليس من القمة بمجال العمل, يتم التشكيك فيها, وقد كانت الشكوك كالتالي:

- إنشاء سيارة مشروع كبير لا يمكن القيام به في قسم السيارات بالكلية.

- تم التفكير في تلك الفكرة منذ سنوات عدة ولم تنفذ لعدم جدواها, وعدم أمكانية تحقيقها  

- من في القسم مؤهل للقيام بذلك

- المشروع يحتاج إلى مبالغ طائلة وليس هناك ميزانية لذلك

- هذه الفكرة تمت مناقشتها في الماضي, ولم تنفذ .......

وأخيرا بعد دفاعي المستميت على المشروع ودحض جميع الحجج, تمت الموافقة على طرح المشروع بالقسم, ليس عن اقتناع بالفكرة ولكن لأثبات ان المشروع فاشل, وهذا ما ستبينه التجربة والواقع.  

 

مرحلة العمل:

تم تكوين فريق العمل من العديد من المدرسين بقسم السيارات, الشباب العائدين حديثا بعد حصولهم على الدكتوراه (في العادة يقوم كل دكتور/ بالإشراف على المشروع الخاص به, كانت هذه أول مرة يقوم مجموعة من الدكاترة معا كفريق عمل بالإشراف على مشروع بالقسم, من خلال تكوين فريق عمل)

تم مناقشة المشروع, وتم تخصيص مجموعات عمل للأنظمة والأجزاء الرئيسية بالسيارة ويقوم بالإشراف عليها من له دراية أكثر بالموضوع المشرف عليه. ويشارك الجميع في باقي أجزاء المشروع (كجسم السيارة, والكهرباء, والوقود بالإضافة إلى كتيب الصيانة, والإصلاح). وتم تكوين فريق العمل من المدرسين المشرفين وتم تقسيم الطلاب إلى مجموعات عمل فرعية.

 

بداية المشروع:

تم تقسيم الطلاب المشاركين بالمشروع إلى مجموعات عمل, كلا لتغطية نظام معين

تم وضع خطة العمل بالمشروع والتي تطلبت التالي:

مناقشة فكرة المشروع, ووضع الخطط للمقترحات, تقسيم العمل على المجموعات, ووضع خطوات العمل: (عمل الحسابات والتصميمات, حساب التكلفة وتوفير مصادر الصرف والاجزاء, القيام بالتصنيع والتجميع, اختبار السيارة, تجميع البيانات وكتابة التقرير).

 

خطوات العمل:

تم اجتماع موسع للطلبة والمشرفين على المشروع, وخلال الاجتماع تم التوصل للتالي:

- تم اختيار أسم للسيارة "السيارة شمس 1" شمس ترمز لكلية الهندسة جامعة عين شمس, ورقم 1 لأول نموذج بفرض الاستمرار في تطوير السيارة فيما بعد لإعطاء حافز للاستمرار والتطوير.

- تم وضع المواصفات المبدئية للسيارة, وقد كانت كالتالي: سيارة سباق, ذات مقعد واحد, محرك أمامي (يعمل بالوقود والغاز), دفع خلفي, ناقل حركة 4 نقلات, ونقلة خلفية, فرامل قرصية على جميع العجلات, تعليق مستقل أمامي ذو نوابض حلزونية, وتعليق بنوابض ورقية على المحور الخلفي. وتم وضع مواصفات السرعة القصوى للسيارة, والتعجيل, وابعاد السيارة.

تم تقسيم المجموعات, وتقسيم المهمات, والمدة الزمنية للمشروع, وتقسيم مراحل العمل.

تم استخدام أجزاء من سيارات الركوب تم التبرع بها من شركة النصر للسيارات لعمل السيارة.

تم بناء هيكل السيارة من انابيب معدنية مفرغة توفر مكان أمامي للمحرك والتوجيه والتعليق الأمامي, ومكان للكبينة, ومكان خلفي لخزان البنزين, وحقيبة خلفية والتعليق الخلفي. بناء على ابعاد المحور الخلفي وأبعاد المحرك وصندوق التروس, وعمود الإدارة.

 

لعمل المشروع إنشاء السيارة, تم وضع تحديات فنية إضافية لكل فريق عمل بالمشروع:

فريق المحرك: تعديل نظام الوقود حيث يمكن للمحرك العمل على وقود البنزين والغاز الطبيعي.

فريق الفرامل: تعديل الفرامل الخلفية من فرامل اسطوانية/ انفراجية إلى فرامل قرصية.

فريق نقل القدرة: تعديل وسيلة التحكم في نقل السرعات.

فريق التعليق وجسم السيارة: تصميم جسم للسيارة, وتثبيت الاجزاء به, وتوصيل طرق التحكم.

 

تم تجهيز مكان للعمل داخل ورشة السيارات بالقسم, تم تجهيز المحرك للعمل بالغاز بالإضافة إلى البنزين. تم تعديل نظام الفرامل بالمحور الخلفي إلى فرامل قرصية, تم تعديل طريقة تغيير نقل الحركة لوجود صندوق التروس بمنتصف السيارة في نفس مكان جلوس السائق (كرسي امامي واحد).

تم عمل الرسومات للأجزاء المطلوب وتم تنفيذها بورش الانتاج بالكلية, وشارك فنيين وعمال الورشة مع الطلاب في عمليات التجميع الفنية. وتم الاستعانة بالمدرسين الأخرين بالقسم كلا حسب تخصصه في طلب المشورة الفنية والهندسية.

 

 

مرحلة التدخل وفرض النفس على المشروع:

مع وجود بشائر لنجاح المشروع, بدأ المتشككين بالمشروع , بمحاولة المشاركة وفرض الرأي لتوجهات أخرى للمشروع لا تخدم العمل به. مثلا بدلا من إنشاء السيارة يمكن الاستعانة بشاسية سيارة قديمة بالورشة واستخدام اجزائها لعمل السيارة الجديدة! والتي قوبلت بالرفض من المجموعة.

كما انه عند الانتهاء من المشروع وكتابة التقرير, طلب من الطلاب إضافة أسماء لمشرفين إضافيين للمشروع, لم يشاركوا في الناحية الفنية أو الهندسية, شرطا لضمان نجاح الطلاب بالمشروع! وهذا ما قد كان؛ فتم إضافة أسمائهم على غلاف المشروع الذي لما يشاركوا فيه.

 

مرحلة الشكل النهائي:

تم تجميع السيارة, وتجربتها للسير, ولم يكن هناك وقت لقياس معدلات الأداء. وتم كتابة التقرير بالإضافة إلى كتالوج السيارة المحتوي على المواصفات وطرق الصيانة.

تم الاتصال بالإعلام لتغطية الحدث, تم نشر مقالة بجريدة الجمهورية, وعمود في جريدة الأهرام, كما تم عرض العمل بالمشروع خلال برنامج تليفزيوني.

وتم أخذ احاديث من ما لم يقم بالعمل, وكانت النتيجة أن فكرة إنشاء السيارة أصبحت هي فكرة جميع العاملين بالقسم! وأدعى غير المشاركين بالمشروع في تصريحاتهم للصحافة: بأن هندسة عين شمس لديها من الخبرة الهندسية والفنية والعملية لإنشاء سيارة, وأن قسم السيارات بالكلية يعرض خدماته لجميع شركات السيارات لتصنيع السيارات. والحقيقة ان هذا المشروع كان مشروع متواضع لتعليم طلاب القسم للعمل بشكل جماعي واستخدام مهارة العمل اليدوي والفني, توظيف جميع المواد الدراسية بشكل عملي للوصول إلى هدف منشود.

 

الاحتفال:

جاء يوم المناقشة وتم الاتصال برئيس جامعة عين شمس لإخباره بفحوى المشروع وبموعد اختبار السيارة, وقد قام بالحضور لمشاهدة السيارة, وتم اهداء رئيس الجامعة كتيب مالك السيارة, ببيان المواصفات, وارشادات التشغيل والصيانة. وجلسنا في الصف الثاني, فرحين بالإنجاز المتواضع الذي تم تحقيقه. وخرجت السيارة من باب ورشة السيارات, لتقوم بدورة في مضمار الملعب, يسير خلفها الطلاب الذين قاموا ببنائها. فخورين بما أنجزوه. وتم تهنئة الأفراد المكتوب اسمائهم بالخط العريض على غلاف المشروع والثناء عليهم.

وتذكرت المقولة الشهيرة:

"للنصر ألف أب والهزيمة تولد يتيمة!"

 

بعد مناقشة الطلاب من اساتذة السيارات من الكلية وكليات السيارات الأخرى, قمت بعرض عمل مشاريع مشابهة تشارك بها كل أقسام السيارات بالكليات المختلفة, ويتم تقييم كل سيارة من الناحية الهندسية, ومن ناحية التصميم, والتنفيذ, والتقييد بالمواصفات, والتكاليف. ثم يتم المنافسة بينهم على أرض السباق لتقييم الأداء. وذلك بغرض خلق منافسة بناءه والتقارب بين العاملين في نفس مجال الكليات, وبداية لتكوين نواة لمجموعة بحثية على نطاق واسع.

 

ولكنها كانت استمرار لمسلسل الاحباط والتشكك مرة ثانية

فكانت الردود على الدعوة من اساتذة السيارات بالكليات الأخرى:

- ما الجدوى منها, هناك مشاريع أكثر أهمية بالأقسام

- الموضوع عبثي أكثر منه بحثي, و....... و ...... والكثير من الاحباطات

ولم أنجح في نشر الفكرة وتطويرها..........

 

النهاية:

بعدها, سافرت للخارج تاركا القسم والسيارة. في العام التالي تم تفكيك السيارة وتم استخدام اجزائها في مشاريع أخرى, وماتت السيارة "شمس 1" ولم ترى" شمس 2" ضوء الشمس.

بالنسبة لي كانت التجربة بنجاحها ومعانتها والظروف التي مرت بها نقطة مضيئة كانت يمكن أن تكون بداية لشيء ما والتي كانت بالنسبة للكثير من الغير لا شيء.

ترددت كثيرا في نشر تلك القصة, ولكن اردت احياء ذكرى هذه الفكرة, أكثر من البكاء على أطلالها, أو اتهام اشخاص عملت معهم لفترة من الزمن, فلكل واحد منا حسناته وسيئته, ولم اقصد هنا الاساءة إلى أحد أو التقليل من دوره أو الحكم عليه, تقديري واحترامي الكامل لمن اختلفت معهم في الرأي والأسلوب, وأشكر من ساهم في العمل ونجاحه, واستغفر الله رب العالمين.

 

شارك في المشروع بالإشراف كلا من:

-         الدكتور/ إبراهيم سامي (المحرك ونظام الوقود)

-         الدكتورة/ نبيلة النحاس (جسم السيارة والتعليق ونظم التحكم بالسيارة)

-         الدكتور/ موسى عبد الرحمن سعيد (نظام الفرامل)

-         الدكتور/ قاسم مراد (نظام نقل القدرة)